المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي يعقد الجلسة الثانية من ندوة :
( الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة )
بعنوان ( التحديات وحلولها )
مكة المكرمة :
عقد المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي يوم الأحد 25/1/1434هـ الجلسة الثانية لندوة ( الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة ) وذلك ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين للمجمع، التي بدأت أعمالها في مقر رابطة العالم الإسلامي برعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – وافتتحها سمو أمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل آل سعود يوم السبت 24/1/1434هـ.
وتمت في الجلسة مناقشة الموضوع الثاني من موضوعات الندوة وذلك بعنوان : (التحديات المعاصرة للأسرة المسلمة وحلولها) حيث عُرضت خلال الجلسة خمسة بحوث في الموضوع تمت مناقشتها من قبل أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع وهي لكل من فضيلة الدكتور عبد الله بن محمد الجبوري، فضيلة الدكتور عبد السلام سعد الشويعر ، فضيلة الدكتور محمد جميل ديب المصطفى ، فضيلة الشيخ بدر الحسن القاسمي، وفضيلة الدكتور فهد بن سعد الجهني وقد تولى مهمة مقرر الجلسة الدكتور عبد الله بن حمد الغطيمل.
وأوضح الباحثون خلال استعراض بحوثهم المقاصد الشرعية من وجود الأسرة ومن أهمها الحفاظ على النوع الإنساني من الانقراض، وأن وجود الأسرة وجعلها سبباً لتناسل بني الإنسان يدل على ضرورة وجودها وتكوينها على أقوى الدعائم، والحرص على تحقيق مهامها البشرية، وتزويد المجتمع بالأفراد من بنين وبنات، والاهتمام بكون الأسرة قوية في بنائها ووجودها وتشاورها لرفد الأمة بعناصر قادرة على مجابهة الأعداء، وتحمل مسؤوليات الحياة الاجتماعية، وغيرها من المستلزمات الاقتصادية والتربوية والسياسية والجهادية .
ونبه الباحثون أنه لابد من تماسك الأسرة بجميع أفرادها من الزوجين والأولاد لتحمل أعباء الحياة وإنجاز المتطلبات المعيشية وغيرها، التي تتطلب التعاون والتكافل ، سواء في حقل الزراعة أو الصناعة أو التجارة ونحوها من الحرف، مع ضرورة الحرص على جعل الأسرة المسلمة نموذجية سامية في كل مشتملاتها، وبخاصة تحقيق الأهداف الدينية والأخلاقية المتميزة بالسماحة والعطاء، والأخلاق الكريمة، والتعاون والتكافل فيما بين أفرادها، إلى آخر ما هنالك من مقومات البناء القوية والشريفة والإنسانية، كالتزام الحق والحكمة والاعتدال.
وحذروا من المشكلات التي تواجه الأسرة في المجتمع المسلم ومن هذه المشكلات الانخداع بالمظاهر والاغترار بالمظاهر المصطنعة، والترف إذا اعتاد الكثير من البنات الإعراض عن الأعمال المنزلية وإلقاء كل فتاة مسؤولية المنزل إلى الخادمة فلم تعد شيئاً من مسؤولية البيت أو القيام بالواجب، ثم المبالغة في تكاليف الزواج حيث لم يعد المهر في مقدور الشباب ، أضف على هذا الهدايا وما يسمى بالشبكة وما يصحب هذا من المباهاة والمراءاة والإسراف والتبذير.
ومن أهم التحديات التي أشار إليها الباحثون عدم الأخذ بتوجيهات الشارع الحكيم حيث جاءت الدعوة عند الرغبة في الزواج بضرورة السؤال والتحري والاعتماد على خبر الثقات من كلا الطرفين .
وأشاروا إلى أن الزواج لا يخلو من بعض الخلافات التي يتعين علاجها برفق وهدوء واحترام ويتم هذا فيما الزوجين دون تدخل العائلة.
ومن المشكلات التي تواجه الأسرة والتي توقف عندها الباحثون نظرة الكثير من الناس إلى المظاهر والمادة وعنايتهم بالمظهر والصورة وإعراضهم عن الجوهر والمخبر، وعدم اعتبار الأخلاق والقيم والمثل العليا ، فمن الناس من ينظر إلى المكانة الاجتماعية أو الوظيفة أو نوع المركب والمسكن، كذلك أشاروا إلى أن هناك أولياء يمنعون بناتهم من التزويج طمعاً في مرتبها أو بقائها معهم في المنزل لخدمتهم ولم يعلم هذا الولي أن تصرفه هذا من باب العضل وهو منع المرأة من الزواج من رجل كفء مع رغبتها فيه.
وحذر الباحثون الأسر المسلمة من متابعة القنوات الفضائية الهابطة التي تعنى بنشر التبرج والسفور والرذيلة، ويدخل في هذا ما يعرف بالشبكة العنكبوتية وغرفة المحادثات والهاتف الخلوي.
واستعرض الباحثون دور الأسرة ومؤسسات التعليم والمربين في تربية الأجيال، مبينين أن لذلك أحكاماً ينبغي الأخذ بها لحماية النشء المسلم من الانحرافات والتحديات التي تواجه الشباب بشكل خاص ، وأبانوا أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، كما أنها الموقع الأول لبناء الإنسان، وقد حرص الإسلام على أن تكون اللبنة قوية متماسكة، تسهم في بناء الكيان العام بما تحققه لكل فرد من أفرادها، من الإحساس بالأمن والطمأنينة.
وبينوا أن الإسلام اعتنى بالأم ، لأنها المدرسة الأولى في تربية الأولاد التربية الإسلامية، وتدريبهم على مواجهة المشكلات والتحديات الأسرية ، فعلى الأب أن يختار الأم الصالحة، لتكوين الأسرة الصالحة والذرية الصالحة، وبناء الأسرة على قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها وآدابها، وأوضحوا أن مسؤولية الأسرة عن التربية الإسلامية للطفل تقوم على أساس صحيح يواكب الفطرة السليمة، والعقول الرشيدة، والنفوس المستقيمة، وهي تهدف في المقام الأول إلى غرس العقيدة الإسلامية وتهذيب الأخلاق، وتغرس في نفوس الناشئة القيم الدينية والسلوكية عند الطفل بحيث يأتي سلوكه مطابقاً لهذه القيم، وتتعهد الطفل تعهداً يبلغه الكمال المهيأ له، ولابد من التوعية الأسرية التربوية منذ تعقله، وبيان واجبات الأبوين نحو أولادهم وعدم تركهم للخادمات والمربيات والسائقين وغيرهم، مما يزيد في التحديات الأسرية.
وشدد الباحثون على مسؤولية الآباء والأمهات والمربين عن ربط الولد بأصول الإيمان وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام وتعليمه من حين تميزه القرآن الكريم ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وأكدوا على مسؤولية الآباء والمربين التربية الأخلاقية والاجتماعية لأنها تمثل الظواهر السلوكية والوجدانية المترتبة عن التربية الدينية، وبيان الصلة بين الأخلاق والعبادة وأثرها في تكوين الأخلاق الفاضلة وتحقيق التربية الاجتماعية السليمة بتأديب الأبناء منذ الصغر على التزام العادات الاجتماعية الفاضلة، النابعة من العقيدة الإسلامية المعتمدة على حسن التعامل والأدب والاستقامة والتوازن، وأكدوا أن التمسك بكل ذلك هو النهج الصحيح لحماية الأسرة المسلمة من التحديات .
وعن التعلم والتعليم فقد بين الباحثون أنه جزء من التربية وهو يقتصر على الجانب العقلي فيجب على الآباء والأمهات القيام بذلك وقد حلت المدرسة الحديثة محل المؤدبين الذين كانوا يتابعون من قبل الآباء ، فهي البيئة الثانية التي يواصل فيها الطفل تعليمه وإعداده ، ودورها يأتي بعد دور الأسرة، وهي تسهم في تشكيل شخصية الطفل وعلى الآباء اختيار المدرسة الصالحة حتى تسهم في كمال شخصية الأبناء.
وقد ناقش أعضاء المجمع خلال مداولاتهم ما عرضه الباحثون ، وأكدوا أن مرجعية التربية الصحيحة هي مبادئ الإسلام وأن في تطبيق تعاليم الإسلام واتباع شريعته تحقيقاً لسعادة العالم أجمع وحلاً لجميع مشكلاته، مستذكرين قول شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله ـ سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة، والرسالة ضرورية للعباد لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء والرسالة روح العالم ونوره وحياته.

ع/ع