بيـــــان صادر عن المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة في دورته الحادية والعشرين المنعقدة بتاريخ 24-28/1/1434هـ حول الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فإن الأسرة تمثل أساس بناء المجتمع, وقد من الله سبحانه وتعالى على البشر بنعمة الرباط الأسري قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء: 1). وقال تعالى: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ (النحل: 72).
وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21).
ومكونات الرباط الأسري التي نصت عليها هذه الآيات وهي: (السكن، والمودة، والرحمة، والقرابة بالبنوة، والنسب، والمصاهرة) تعطي الأسرة تماسكاً، وتحمي نسيجها من الوهن والآفات. وإذْ منّ الله على المسلمين بنظام أسري مبني على القيم والأخلاق، فهم مسؤولون عن حمايته وترسيخ جذوره، ورعاية أغصانه، وتقديم ثماره إلى من ينشد الاستقرار الاجتماعي في العالم كله .
والأسرة المسلمة المتميزة المتفردة بالاستمساك بعرى الشرع الوثيقة تواجه اليوم تحديات تؤثر على نسيجها، وتعوقها عن أداء رسالتها الإنسانية، إذ استفحلت فيها ظواهر لها آثار ضارة خطيرة تجب معالجتها.
وبناءً على قرار المجمع الفقهي الإسلامي الخامس في دورته العشرين المنعقدة في المدة من (19-23 محرم 1432هـ) الموافق (25-29 ديسمبر 2010م). عقدت ندوة (الأسرة المسلمة والتحديات المعاصرة) في المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في المدة من (25- 26/1/1433هـ).
وقد عرضت في هذه الندوة البحوث التي أعدها ثلة من علماء الشريعة، تناول فيها الباحثون بعض الظواهر السلبية، ونتائجها التي تؤثر على الأسرة المسلمة، ومن ذلك:
( أ ) العزوف عن الزواج .
(ب) الاستهانة بالفواحش.
( ج ) تزايد العلاقات الجنسية المحرمة.
( د ) زيادة مجهولي النسب.
وبعد عرض الأبحاث والاستماع إلى مناقشات أصحاب الفضيلة العلماء المشاركين، صدر عن الندوة التوصيات التالية :
1- الاهتمام بغرس قيم الدين في نفوس الناشئة, والحث على الشعور بمراقبة الله, ذلك الشعور الذي ينمي الرقابة الذاتية للجنسين, الذي هو خير باعثٍ على البعد عن الفواحش والمنكرات.
2- إشاعة القيم الاجتماعية والضوابط الأخلاقية داخل الأسرة والمجتمع.
3- توعية المجتمع - وبخاصةٍ الشباب - بأهمية الزواج والتبكير به, والتنويه بمقاصده الشرعية العظيمة فيه.
4- المحاسبة على التقصير والتفريط في شؤون الأسرة وذلك بتطبيق شريعة الله المتضمنة إقامة الحدود والتعازير الزاجرة عن ارتكاب الفواحش والاستهانة بها.
5- سد الذرائع المؤدية للوقوع في المنكرات، قال الله سبحانه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ (الإسراء: 32)؛ فالعلاقات الجنسية المحرمة غالباً ما تكون مسبوقة بخطوات؛ ومنها الاختلاط المحرم بين الجنسين، والدعوات الضمنية إلى العلاقات الجنسية المحرمة عبر بعض وسائل الإعلام، وإشاعة المظاهر المثيرة للغرائز الكامنة، مما يؤدي إلى نشوء العلاقات الجنسية المحرمة واستفحالها، وهذا يدعو إلى إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العالم الإسلامي. واهتمام الدول الإسلامية بالتوعية الإسلامية الراشدة عملاً بقول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104)، وقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران: 110).
ويشيد المشاركون في الندوة بجهود المملكة العربية السعودية وعنايتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- نظراً لما للأسرة من بالغ الأهمية، ولما تواجهه من تحديات تحتاج لكثرتها وتشعبها إلى مزيد من الدراسات المبنية على التصور الدقيق, واستقراء حال المجتمعات الإسلامية، فإن الندوة توصي بأن تعقد رابطة العالم الإسلامي مؤتمراً عالمياً يعنى بهذه القضية, يشكل له فريق من العلماء للتحضير لموضوعاته, وتقصي التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة.
وإن المجمع الفقهي الإسلامي يؤيد هذه التوصيات ويأمل من الرابطة متابعتها مع الجهات المعنية بالأسرة على المستويات الرسمية والشعبية في العالم الإسلامي ومجتمعات الأقليات المسلمة.
وصلى الله و سلم على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين