بسم الله الرحمن الرحيم
بيانٌ حول تنامي بوادر الإلحاد في بعض المجتمعات الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
فإن المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية والعشرين المنعقدة في المدة من 24-28/1/1434هـ التي يوافقها 8-12/12/2012م استعرض ما تنامى من بوادر الإلحاد والتشكيك في دين الله تعالى, ومن ذلك ما وقع من تطاول على الله تعالى, وتشكيك في وجوده سبحانه وتعالى, وفي لزوم عبادته والخضوع لأمره ونهيه, وتحكيم شريعته, والرضا به سبحانه ربّاً وبالإسلام ديناً.
ومن ذلك أيضاً سوء الأدب في المخاطبة والحديث عن جلال الله تعالى, وعن مقام نبوة خاتم الأنبياء, نبينا محمد ﷺ.
ولخطورة هذا الأمر على عقيدة الأمة، وقيمها، وثوابتها، ووجوب المسارعة إلى الوقوف في وجه هذه الظاهرة المشينة، وتنبيه المسلمين إلى فداحة أمرها ،وما يجب عليهم فعله تجاهها ،ولكون تعظيم حرمات الله أمراً مقدساً لدى كل مسلم لا يُقبل من أحد كائنا من كان انتقاصه ، أو الاستخفاف به فقد أصدر المجمع البيان التالي:
لقد أجمع العلماء في جميع الأزمنة والأمكنة على كفر وردَّة مَن استهزأ بالله تعالى أو رسوله ﷺ أو كتابه, أو استخفَّ بشيءٍ عُلِم بالضرورة من دينه, وعلى وجوب الحذر من الوقوع في شيء من ذلك, سواءٌ بالقول أو بالكتابة أو بالفعل؛ اتقاءً لغضب الله تعالى وعقوبته, وخشيةً وحذراً من الردَّة عن دينه, قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)﴾ (التوبة)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ (الأحزاب: 57) وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (التوبة: 61).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن العباس بن عبد المطلب -  - (ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا).
وإن هذه الأمة الإسلامية المرحومة قامت وحدتها الفكرية والحضارية والاجتماعية على الرضا بالله تعالى ربّاً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد ﷺ نبيّاً ورسولا, قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾ (آل عمران).
وتعظيم شأن هذه الحرمات أمرٌ مقدَّسٌ لدى كل مسلمٍ, لا يقبل من أحدٍ أبداً انتقاص شيءٍ منه أو الاستخفاف به.
وإن من الواجب تذكر نعمة الله تعالى على هذه الأمة, وإكرامه تعالى لها, بأن جعلها ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: 109) وخاتمة الأمم, وجعل دينها خير الأديان وخاتمها, وجعل رسولها ﷺ خير الرسل وخاتمهم, وتذكر أنها كانت أمة مستضعفة متفرقة فأصلح الله حالها بهذا الدين والتمسك به ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)﴾ (الأنفال), وتعظيم النبي ﷺ وتوقيره, والتذكير الدائم بحقوقه على أمته, ونشر شمائله وسيرته, وأخلاقه العظيمة من أعظم الواجبات, قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)﴾ (الفتح), ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (الحج: 30).
ويؤكد المجمع الفقهي الإسلامي في هذا الصدد على أهمية ما يلي:
1- إن الواجب المحتم على كل مخلص لدينه وأمته أن يبادر إلى الإسهام في توعية الأجيال الناشئة بحقائق الإيمان, وتربيتها على تعظيم شعائر الإسلام, وعلى الهدى والخير, ومحبة الله ورسوله, وتوثيق صلتها بذلك في نفوس أبناء الأمة وبناتها؛ لتحقيق قيمها وآثارها في نفوسهم وأخلاقهم, وتحصينهم بالوسائل الإيمانية والفكرية الملائمة لهم.
والعلماء الربانيون في الذورة العليا من هذه المسؤولية, والوالدان والأسرة المسلمة والمربُّون والمعلِّمون وجميع أولياء الأمور كلٌّ مسؤول في موقع اختصاصه.
فلابد من تضافر القوى على النهوض بهذه الأعباء, التي تزداد وطأتها كلما اشتدت عوامل المدنية عمايةً وضراوةً, عملاً بقول النبي ﷺ: «كُلُّكم رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسؤول عن رعيته, وَالإمَامُ رَاعٍ ومسؤول عَن رَعِيَّتِهِ, والرَجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ ومسؤولٌ عن رعيته, والمرأةُ راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها, فكُلُّكُم راعٍ ومسؤول عن رعيته» متفقٌ عليه.
2- التوجيه والإرشاد إلى حس التواصل والتعارف بين العلماء الربانيين وبين الأجيال الناشئة المسلمة في كل موقع وأي مستوى تعليمي, بالكلمة الطيبة وجميل الأسوة, وتجديد الخطاب الموجه إليهم, وتنويع أساليب دعوتهم وتوجيههم, وحسن الخلق, وتفهُّم همومهم واهتمامهم, والإصغاء إلى مشكلاتهم الفكرية والنفسية والروحية, وحلها والوقوف معهم في إزالة الشبهات عنهم, وتحبيبهم في هذا الدين, وملء فراغهم بالمناشط والمنتديات والملتقيات, والاحتواء والتعامل الكريم, وبناء الجسور, والحوار الراقي, وجميل الصبر, وحسن التأني, والعلماء الربانيون المحتسبون هم أقدر الناس على ذلك.
3- يجب على كل من ضل سواء السبيل, وانحرف فكره فسلك طريق الشهوات والشبهات انقياداً للهوى والشيطان أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور: 31). وأن يرجع إلى الطريق المستقيم متمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.
﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ (ص: 26).
4- دعوة الحكومات الإسلامية إلى القيام بمسؤولياتها بالتصدي لبوادر الإلحاد, والوقوف أمام ذرائعه, ووسائل استنباته في هذه الأمة, ومنع قنواته وطرائقه ورموزه من التمكُّن من وسائل التوجيه والمخاطبة للأجيال؛ حماية للدين والمقدسات؛ وحفظاً لاستقرار المجتمعات المسلمة ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 41).
5- تعزيز مكانة القضاء الشرعي بإحالة أمور مساءلة الأشخاص والجهات المشبوهة, المتجرئين على دين الأمة, المستخفِّين بثوابتها وقيمها, المشككين في مقدساتها, وحثه على الحكم عليهم بمقدار جرمهم وإفسادهم, وجنايتهم على مجتمعاتهم وأمتهم.
6- دعوة وزارات التعليم العالي, والجهات المختصة في مختلف البلدان الإسلامية إلى التوسع في إقامة المعاهد والكليات الشرعية, ودعم وتعزيز مكانة القائم منها حتى يتم تخريج مختصين ربانيين, يعلمون شريعة الله تعالى, ويحسنون تربية الناس عليها.
7- مطالبة وسائل الإعلام, والمنتديات والمواقع الفكرية والثقافية, بتذكر مسؤولياتها الدينية ، والخلقية وان تحرص على منع كل ما يُسبب الإلحاد أو التشكيك أو يشيع الاستخفاف بالمقدسات في المجتمعات الإسلامية, وحثها على تحمل مسؤولياتها في ذلك.
8- أن تسعى الرابطة بالتعاون مع الهيئات الإسلامية والعالمية لاستصدار قانون عالمي يجرم الاعتداء ، والتطاول على المقدسات.
9- إسراع المجمع الفقهي الإسلامي في الرابطة بعقد مؤتمر لدراسة هذه الظاهرة وأسبابها، وطرق علاجها, يدعى له المختصون،والمهتمون، وتشارك فيه الجهات المعنية.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا عبادته حق العبادة, وتعظيمه سبحانه, وتوقير رسوله ﷺ, والأدب مع أحكامه وأوامره, ونواهيه, قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف: 157).
كما نسأله سبحانه أن يعلي دينه, ويجعله ظاهراً على الدين كله, وينصر عباده المؤمنين.
وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.