الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
صاحبَ السموِ الملكيِ الأميرَ خالدَ بنَ فيصل بنِ عبد العزيز آلَ سعود ، أميرَ منطقة مكة المكرمة .
سماحة الشيخ عبدَ العزيز بنَ عبدِ الله آلَ الشيخ ، المفتيَ العام للمملكة ورئيس المجلس التأسيسي للرابطة .
أصحابَ السماحةِ والفضيلةِ العلماء .
سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرحب بكم سائلاً الله تعالى ، أن يكلل جهودَ هذه الدورةِ للمجمع الفقهي الإسلامي ، بالنجاح والتوفيق لما فيه خيرُ المسلمين ، في تدارس ما يجِدّ في حياتهم من النوازل والقضايا .
وقد أولى المجمعُ في هذه الدورة اهتماماً بالأسرة المسلمة ، لإبراز مكانتِها ، والتنويهِ بعظم المسؤولية في الحفاظ عليها ، وحمايتِها من أخطار التحديات المحدقةِ بها .
والأسرةُ نواة المجتمع المسلم وخَلِيةُ نسيجِه .
وبعد :
فإن شمول الشريعةِ الإسلامية للأزمنة والأمكنة والأحوال التي تتعاقب على الناس ، يستلزم أن يكون لها حكمٌ في كل أمر يطرأ على حياتهم ، يستنبطه أولو العلم بثاقب نظرهم ، وسعةِ معرفتِهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفقَ ما قرره الأصوليون من قواعدَ لتفسير نصوصِهما والقياسِ عليها .
ومن هذا المنطلق كان " الرأيُ " في المفهوم الشرعي ، مختلفاً في معناه ومدلوله عن " الرأي " بمعناه العامِ الشائعِ بين الناس ، المبنيِ على ما يبديه النظرُ المجردُ انطلاقاً من معلومات عامة .
أما الرأيُ الفقهي فهو نتيجةُ بحثٍ علمي منضبط ، ومن ثم يصدق عليه أنه حكم الشرع فيما توصل إليه المجتهدُ بالنظر الصحيح ، وإن كان ظنّاً راجحاً يحتمل الخطأ ، لأن ذلك غايةُ ما يقدر عليه ، فيكون صاحبُه مأجوراً مرتين إذا أصاب الحق ، ومرةً واحدة إذا أخطأه .
ولا فرقَ بينه وبين الحكم الثابت بالدلائل القطعية ، من حيث العمل ، فكلاهما يجب العملُ به ، إلا أن يتبين الخطأُ في الحكم الثابت بالطرق الظنية الاجتهادية .
وذلك بأن يظهر للمجتهد نصٌ أو إجماع يخالف ما أداه إليه اجتهاده .
أما أن يُعرِضَ عن الحكم الذي توصل إليه المجتهدُ باجتهاده ، لمجرد كونه رأياً بشرياً يحتمل الخطأ ، وليس له من العصمة ما للنص القطعي في الكتاب أو السنة ، فهذا من الغلط في الفهم في دين الله ، نتج عن الخلط بين الرأي الشرعي والرأيِ العادي ، وقد يَلْبِسُ على الناس دينَهم ، ويفتح مجالاً للتنصل من كثير من أحكام الشريعة .
مع أن احتمال الخطأ في الاجتهاد ، يجعل الناسَ في سعة أن يعملوا بأي قول من أقوالهم ، وفي ذلك رحمة ورفق بهم .
ويكون عذراً يَعذُر به العلماءُ بعضُهم بعضاً فيما اختلفوا فيه .
وعلى هذا مضى السلفُ الصالحُ في مراعاة أدبِ الاختلافِ فيما بينهم .
وهذا لا يلغى أهميةَ العملِ على تضييق شُقةِ الخلاف ، وبخاصة في القضايا العامة ، وفي عصرنا هذا ، حيث أصبح من أولويات الواجبات ، العملُ بأقصى ما يمكن من الجهد على تآلف الأمة وجمعِ كلمتها ، ومعالجةِ الخلاف بين أبنائها بالاحتكام إلى جهاتٍ إسلامية معتبرة ، على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
والمجامعُ الفقهية وما يضارعها من الهيئات والمجالس المختصةِ بالبحوث والإفتاء هي من أهم الجهات التي تعمل لهذه الغاية السامية ، بتناول القضايا الفقهيةِ العامةِ تناولاً جماعياً ، يتميز باستقصاء في البحث وشموليةٍ في النظر .
فتتقلصُ دائرةُ الخلافِ فيها بين العلماء ، ويكونُ الأخذُ بفتاواها وقراراتِها أحزمَ وأحوطَ وأقومَ بمصالح الأمة .
ولا يحقق عملُ الهيئاتِ الفقهيةِ أهدافَه على تمامه ، إلا بتجاوبٍ من مختلف فئاتِ الأمة ، وذلك بالاستفتاء فيما أشكل ، والإسهامِ باقتراح موضوعات مناسبةٍ للبحث والدراسة ، وتلَقِّي القراراتِ الصادرةِ عن هذه الهيئات ، بالقبول والترحيبِ مع الحرص على تنفيذها ، والإرشادِ إليها ، والمساعدةِ على نشرها على نطاق واسع .
فبهذا العملِ التكاملي والتواصلِِ الإيجابي بين فئات المسلمين ومؤسساتِهم يتعززُ تطبيقُ الشريعةِ في مختلف مجالات الحياة ، ولا سبيلَ إلى عزة المسلمين ووحدتِهم وقوتِهم إلا بذلك .
وفي الختام يسرني أن أرفع شكرَ أعضاءِ المجمع الفقهي ورابطةِ العالم الإسلامي ، وتقديرِها لخادم الحرمين الشريفين ، الملكِ عبد الله بن عبد العزيز آلِ سعود ، ولولي عهدِه الأمين ، صاحبَ السموِ الملكي الأميرِ سلمان بنِ عبد العزيز آلِ سعود ، ولصاحب السموِ الملكيِ الأميرِ خالدِ بنِ فيصل آلِ سعود ، أميرِ منطقة مكة المكرمة ، على دعمهم لرابطة العالم الإسلامي ، والرعايةِ لمناسباتها ، أجزل الله لهم المثوبة في جهودهم المبرورة في خدمة الإسلام وأمته .
وإن منسوبي الرابطةِ وهيئاتِها ومؤسساتِها ، ومكاتبِها ومراكزِها والجمعياتِ والمنظماتِ الإسلاميةِ المتعاونةِ معها في مختلِفِ أنحاءِ العالم ليحمدونَ اللهَ ويشكرونه على ما منَّ به على خادم الحرمين الشريفين من الشفاء والعافية ، ويسألون الله له ولسمو ولي عهدِه الأمين المزيدَ من العون والتوفيق وعظمَ الجزاءِ على الخدماتِ العظيمة للحرمين الشريفين وقاصدِيهما وللإسلام والمسلمين أينما كانوا ، وأن يحفظ المملكةَ وبلادَ المسلمين كافةً من كل سوءٍ ويجنبَ الجميعَ الفتن ما ظهر منها وما بطن .
والشكر لسماحة رئيسِ المجمعِ الفقهي الشيخِ عبدِ العزيز بنِ عبدِ الله آلِ الشيخ ، ولأصحاب الفضيلة أعضائِه المشاركين في هذه الدورة ، ولأمين المجمع والباحثين والمتعاونين معه ، ولرجالِ الإعلام ، على الجهود المبذولة من الجميع ، والتعاونِ الملموس .
أسأل الله أن يجعل الأعمالَ خالصةً لوجهه الكريم ، وأن يهديَ الجميعَ لما يحبه ويرضاه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .